يعد النقد الثقافي ذلك الإطار العام الذي انصبت فيه الجهود النقدية التي استندت إلى المرجعية الثقافية في تحليل الأعمال الأدبية، وسعتإلى تفكيك نظم الامبريالية والهيمنة والأحادية المتضمنة في الخطاب بحثا عن فضاء وأفق جديد للحوارية والتعددية والثقافية . وقد يلاحظ المتتبع للنقد الأدبي الجديد أن السرد أضحى هو الرهان الناجح الذي تجمع عليه عديد النظريات والتيارات النقدية والفلسفية .بل إن "النسق نفسه ذو طبيعة سردية، يتحرك في حبكة متقنة، ولذا فهو خفي ومضمر .. ويستخدم أقنعة كثيرة" .

وإذا كانت سمة التعدد في الخلفيات النظرية والمنهجية هي ما يميز النقد الثقافي، فإنه يكشف من جهة أخرى عن غنى وثراء ثقافي واجتماعي تتضمنه الخطابات السردية، ويحيل من جهة أخرى إلى أزمة النقد التقليدي في دراسة السرد انطلاقا فقط من المظهر الشكلي والوظيفي، وهو ما يجعل التفكير الثقافي في فعل السرد تفكيرا مختلفا يعيد تأسيس المفاهيم المرتبطة به، لا بوصفة جملة من التقنيات السردية فحسب بل بوصفه كذلك كاشفا عن أسلوب معيشة الناس (ريموند وليامز) أو التجربة البشرية (بول ريكور)، فالهوية تتشكل داخل الحكي الذي يمارسه الفرد عن نفسه وعن مجتمعه وعالمه . بل يتشكل وعي مجتمعات بأكملها انطلاقا من القصة التي ترويها هذه المجتمعات عن نفسها وعن تاريخها، والنقد الثقافي لا يقوم إلا على ممارسة النقد تجاه الأفكار والمقولات والقوالب الثقافية (الأنساق) التي تحكم السرد في محاولة لتحقيق العيش المشترك وقبول الآخر وتجاوز الاقصاء .

إنّ الأبحاث التي يروم المخبر القيام بها تندرج في إطار الدراسات الثقافية ذات الخلفية المعرفية الثرية والتي تتناول السرد من منظور عابر للمجالات المعرفية ما يؤدي إلى تعريف جديد لعلوم الإنسان، نحو مزيد من التواصل وتبادل الآراء والخبرات والتجارب عن السرد وعلاقته بالهيمنة وسلطة الثقافة السائدة، مما يمكن تسميته بدراسات ما بعد الكولونيالية .