DE

دراسات في سوسيولوجيا الأزمة

 

Theme: دراسات في سوسيولوجيا الأزمة 

Author:AmokraneAbderzzak

 

 

Perface
Table of contents
Bibliography

تعودت و أنا تلميذ في المرحلة الابتدائية أن أُفـرغ محفظتي الصغيرة  إلا من كراس و قلم، و في طريقي إلى المدرسة أعرج على دكان يبيع الخضر و الفواكه فأملأ المحفظة بالبرتقال و اتجه صوب المدرسة. لا أذكر بوضوح هل كنت أفضل البرتقال على الفواكه الأخرى، لكن بالمقابل أنا على يقين بأن الثلاث كيلوغرامات التي أضعها في المحفظة، لم تكن تكلفني أكثر من دينار جزائري واحد.

مرّت الأيام و الأشهر، و مرت أربعون سنة و التلميذ الذي كنت، أصبح أستاذا في الجامعة و ربّ أسرة، و لا زال يشتري البرتقال لكن مع اختلاف كبير: الكيلوغرام الواحد من البرتقال في جزائر ٢۰۰٩ يباع بـ ١٢۰ دينار، و بذلك، مغامر هو من يشتري ثلاث كيلوغرامات. من يفعل ذلك من الجزائريين، عليه أن يستلف حتى يغطي مصاريف بقية الشهر.

إن الأمر الذي نتحدث عنه في التمهيد أعلاه ليس موضوع البرتقال ولا موضوع الفواكه. نحن ننقل صورة بلد إسمها الجـزائر و مجتمع هو المجتمع الجزائري.

كنّا في جزائر السبعينيات، نشتري الكثير من المواد الغذائية بمباركة من الشعار المهيمن في ذلك الوقت "ثلاثة بعشرين" بمعنى "ثلاث كيلوغرامات بدينار واحد".

الحياة كانت سهلة و كنّا نعيشها بقوة، الثقة و التفاؤل يطبعان أقوالنا و أفعالنا.

كان يخيّل لنا -تحت تأثير الخطاب السياسي- أننا الأحسن و الأقوى. اعتقدنا أن المجتمعات لم تخلق إلا لكي تنعم بالاستقرار و الطمأنينة و الأمن والآمان. لم نكن نشك أبدا بإمكانية بروز مرحلة تاريخية في حياتنا تذهب عكس اتجاه ما عشناه.

         فجأة و لأننا لم نُحضّر للتغيير، اكتشفنا بذهول بأن المجتمع الذي نعيش فيه ليس الأحسن و لا الأسوأ؛ إنه مجتمع ضمن مجتمعات أخرى. نقطة إلى السطر.

         دخلنا في الثمانينات نفق "سياسة التراجع لا المراجعة"، في حين أن الخطاب السياسي كان يرفع شعار "المراجعة و ليس التراجع"، نفق طويل و مظلم أوصلنا في النهاية إلى تفكيك الدولة على جميع الأصعد.

         في صيف ١٩۸٧، و أنا أتأهب للسفر إلى الجزائر انطلاقا من لندن، طلبت مني الأم المحترمة طلبا أشّـر بالنسبة لي، دخول الجزائر مرحلة تختلف جذريا عن ما سبقها من مراحل: طلبت كمية من الفلفل الأسود (من التوابل المستعملة بإفراط مرعب) و كمية من البُـنْ، لأنهما أصبحتا مادتين نادرتين في الأسواق الجزائرية. تلاشى القاموس اللغوي الذي لازمنا لعقود و الذي يمجد قيم الأخوة، التضامن، القوة، التفاؤل، الثقة... و حلّ محله قاموس آخر يتقوى باستمرار و يذكّـرنا في كل وقت بالمشكلات الاجتماعية، بالندرة، بالصراعات المهنية...

         أصبح كل شيء معقد، صعب المنال و غامض. الجزائر بنظرهم لم تعد بقرة حلوباً، فلينصرف الكل إلى تحقيق ذاته مع مفارقة عجيبة: القليل من الجزائريين كان يملك أسباب تحقيق الذات.

         أفـقْـنا في جزائر التسعينيات على وقع حالة معيشية أتعبتنا، و لم تكن لتحمل إسما (بالرغم من المساحيق و العمليات التجميلية) إلا إسم الأزمــة. تعلمنا أن نعيش أو نتعايش مع هذا الوحش الذي سَـهُل علينا الوقوف على ملامحه في فترات ما، و صَـعُب علينا ذلك في فترات أخرى. نحن ندرك أن الأزمة معنا، وندرك أنها معنا لتدوم، و ندرك -و هذا ما يخيفنا- أن الأزمة مرشحة لأن تتحول إلى أزمات.

تتجسد الأزمة في جزائر اليوم في ظواهر اجتماعية تنخر أسس المجتمع وتكاد ترمي به إلى مصاف المجتمعات التي توصف بـ "اللاّ مجتمعات"، و لا يختلف إثنان حول ظاهرة العنف التي تمثل خطرا متزايدا على استقرار المجتمع.

         الدكتورة فيروز زرارقة تتناول الظاهرة من زاوية دقيقة تحاول من خلالها تبيان العلاقة القائمة بين سلوكات التلاميذ العنيفة في المؤسسات التعليمية الجزائرية و بين نمط ثقافي وافد، هو النمط الأمريكي.

         الأزمة من خلال ظاهرة العنف في الجزائر تعـبّر عن أسمى درجات البشاعة. الأزمة من خلال رافد العنف لا تخفي هويتها، لا تستعمل مساحيق ولا تلبس أقنعة. لكن في بعض الفضاءات تفضل التستر، لا تريد أن يكشفها الآخر لأنها تبتغي الدمار الأقصى لهذه الفضاءات التي لازالت تملك رصيدا ما من القدسية، على الأقل في المخيال الاجتماعي.

         تتـبّع الدكتور عبد الرزاق أمقران و الأستاذ عادل غزالي آثار الأزمة المقنعة في إحدى هذه الفضاءات و هي الجامعة، في عملين بيّـن الأول منهما بأن فضاء الجامعة يوفر غطاءا أخلاقيا لممارسة غير أخلاقية هي تعاطي المخدرات. أما العمل الثاني فيبيّـن بأن الأزمة حاضرة في الجامعة بكلّ ثقلها لأن هذا الفضاء يُغَـلّب منطق الكـم على منطق الكيف في الممارسة البيداغوجية، و هذا بالتأكيد يبعد الجامعة الجزائرية عن المقاييس الدولية التي تتصف بالعولمية.

         الأستاذ دريس نوري يقترب من الأزمة الجزائرية من زاويتين: يبين في المقالة الأولى الشرخ الحاصل بين مفهوم المجتمع المدني كمشروع سياسي أفرغ من المحتوى الذي من المفروض أن يُستحضر في بناء المجتمع المدني و استبداله بمحتوى آخر يعيش فقط بين ألفاظ و تعابير الخطاب السياسي، و بين الشروط الموضوعية و التاريخية التي أفرزها التاريخ و التي مكّنت و تمكّن الشعوب من بناء المجتمع المدني. أما المقالة الثانية التي خصصها لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تناول موضوع الموهوبين في الجزائر، فقد بيّن فيها الأستاذ بأن الأزمة -دون أن يذكرها- تتجسد بشكل بارز في ضعف الدولة أو عجزها من خلال المؤسسات التي تمثلها على اكتشاف هذه الشريحة، و يذهب الباحث حتى إلى التشكيك في إرادة تلك المؤسسات البحث عنهم، ناهيك عن رعايتهم و التكفل بهم. المجتمع -وفي ضوء تحليل الأستاذ- الذي يتنكر للموهوبين لا يمكنه الإدعاء بأنه يؤمن بالنجاعة والإبداع و العبقرية كموجهات أساسية في الحياة.

         أما الأستاذ زين الدين خرشي فقد حدد لمقالته مُنطلقا قيميا لـوُلُوج متاهات الأزمة الجزائرية. أكد الأستاذ في عمله على أهمية الكلمات في التقرب من الأزمة، لأن الكلمات "حَـبلَى" بالمشاريع، التصورات، التوقعات... فكلمة "القفازة" هي كلمة جزائرية عاميّة، تحدد في توظيفها و ممارستها أوجه تعامل الفرد الجزائري والمؤسسات الجزائرية الرسمية و غير الرسمية مع قضية النجاح. تُفرغ كلمة النجاح في الخطاب اليومي من المحتوى المتفق عليه عالميا -حسب ما نعتقد- ويُقترح لها محتوى آخر مع استعمال كلمة "القفازة". الناجح بمنطق "القفازة" هو ذلك الفرد الذي يحقق الغايات بأقصر الطرق و بمعطيات جزائرية محلية. الأزمة في مقالة الأستاذ زين الدين تفرض على المجتمع الجزائري قيمًا لم يُعرف بها تاريخيا (الفردانية – التحايل – الميكيافيلية) و تدفع بالمجتمع إلى التنكر لقيم أخرى قَـوْلبت عبر التاريخ معالم الشخصية الجزائرية الأساسية.

         يعود الدكتور عبد الرزاق أمقران و الأستاذ زين الدين خرشي في الفصل الأخير و يقدمان مجموعة من الأفكار الأولية في مواضيع بحثية لم ينضج التفكير فيها، تؤلف في مجملها مقاربات غير متداولة في دراسة الأزمة الجزائرية.

         كما يتضمن هذا الفصل دراسة تتناول موضوعا هاما يتيح قراءة المجتمع الجزائري من الداخل، قراءته دون "مساحيق" أو "عمليات تجميلية" تظهر الوجه الأفضل فحسب، موضوع الفئات المهمشة التي توجه إلى فضاءات اجتماعية مغلقة على نفسها ظهرت لخدمة تلك الفئات و رعايتها و إعادة إدماجها في المجتمع لاحقا.

         الأستاذة نورة دريدي بمعالجتها لهذا الموضوع إنما طرحت إشكاليات أكثر من كونها قدمت إجابات لعلامات استفهام كبيرة تلازم تواجد هذه الفضاءات في مجتمع تتلاشى فيه قيم التضامن، التعاون و التكافل، و تحل محلها أنماط أخرى تبنى في مجملها على الفردانية، الإقصاء و التهميش.

         مقدمة الكتاب ستكون مبتورة إذا أحجمنا عن تبرير العنوان الذي يحمله الكتاب.

         الأزمة التي أصابت المجتمع الجزائري تشبه في اعتقادنا و بما وقفنا عليه، الدفتر الذي يستعمله التلميذ، الدارس أو الأستاذ أو أي أحد هو في حاجة لاستعماله. الدفتر يتضمن مجموعة من الأوراق عندما ترقم تجعل الدفتر يستجيب و يحترم منطقا معينا في عرض القضايا.

         في اعتقادنا الأزمة متعددة الأوجه في الجزائر تحمل منطقا معينا يجب اكتشافه، و السبيل إلى ذلك هو التحليل السوسيولوجي. لا نستبعد -و في ضوء ما تنبئنا به- أن يُـنجز جزء ثان في محور الأزمة الجزائرية بحكم بعض المؤشرات الواقعية التي إن تقـوّت، ستعلن حتما عن تحول الأشكال الحالية للأزمة إلى أشكال أخرى نجهل دقائقها في الوقت الراهن.

         في الأخير، لا يفوتنا تقديم الشكر الجزيل للأستاذ زين الدين خرشي لإسهامه الكبير في تدعيم المواصفات الفنية لإخراج الكتاب بالشكل المقبول، و لا يفوتنا أيضا أن نقدم أسمى عبارات التقدير و الاحترام للصديق العزيز الدكتور عصام توفيق قمر، الذي لولاه لما وصل هذا الكتاب إلى القارئ في جميع أنحاء الوطن العربي.

المحتويـــات

الصفحة

مقـدمـة الكتــاب

الفصل الأول:

 

النمط الثقافي الأمريكي و ظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية الجزائرية

 

د. فيـروز زرارقـة

 
   

الفصل الثاني:

 

صورة المدمن على المخدرات عند طلاب الجامعة: دراسة ميدانية لثنائية القبول/الاستبعاد

 

د. عبد الرزاق أمقران

 

أ. عـادل غـزالـي

 

الفصل الثالث:

 

بيداغوجية الاهتمـام و بيداغوجية الـمجهود في الجامعة الجـزائرية

 

د. عبد الرزاق أمقران

 

أ. عـادل غـزالـي

 
   

الفصل الرابع:

 

معوقـات اكـتشاف و رعـاية الأطفال المـوهوبين في الجـزائر

 

أ. دريـس نـوري

 
   

الفصل الخامس:

 

أي مسـتقبل للمجتمع المـدنـي في الجـزائـر؟

 

أ. دريـس نـوري

 
   

الفصل السادس:

 

القفازة في المجتمع الجزائر: أو المسار البديل للنجاح

 

أ. زين الدين خرشي

 
   

الفصل السابع:

 

مسارات بحثية مقترحة في دراسة الأزمة الجزائرية، عناصر منهجية أولية

 
 

- عندما تتكلم جدران المدينة الجزائرية    

د. عبد الرزاق أمقران

 

- تمثلات طلاب قسم علم الاجتماع تجاه الشخصيات النموذجية

د. عبد الرزاق أمقران

 

- السلوكات العُنفية لدى الشباب الجزائري: الحرقة أنموذجا           

أ. زين الدين خـرشي

 

- واقع المؤسسات الاجتماعية في الجزائر: ديار الرحمة أنموذجا

أ. نـورة دريـدي

.....

              

Please publish modules in offcanvas position.